كثيراً ما نعتقد أنَّ الآخرين هم السبب في إثارة انفعالاتنا والغضب على وجه التحديد ، لدرجة أنَّنا نحملهم السبب والنتيجة التي تحصل من ثورة غضبنا، سواءً كانت نتائجاً سلوكية أو لفظية ....الخ وتختلف حدَّة وشكل حالات الغضب التي يمرُّ بها الإنسان في الدرجة والطريقة التي يُعبّر بها عن تلك الانفعالات، والزمان والمكان (في أماكن الدراسة، أو الأماكن العامّة، أو أماكن العمل)، والشخص الموجّه إليه الغضب (في المنزل مع أحد أفراد الأسرة، أو الدائرة مع أحد المراجعين، أو العمل مع الزملاء).
إنَّ الحقيقة عكس ما ندركه، وهي أنَّنا السبب في انفعالنا ونحن اخترنا أن نغضب وليس الآخرون من اختار ذلك، ليس دائماً فسلوكيات الأفراد محكومة بالدوافع , والدوافع قد تكون داخلية (الفرد) وقد تكون خارجية (المجتمع) , أمّا بالنسبة للشخص الذي يسيطر على انفعالاته فذاك قد وصل إلى مرحلةٍ من الضبط الانفعالي والسلوكي وهم افراد قلائل في المجتمع,
وقد تكون الأسباب التي تجعلنا نغضب أكثر من ذلك، لعلَّ أبرزها :
أوّلاً : اعتقادنا بأنَّ الغضب طبعٌ فينا، وأنَّنا لا نستطيع أن نغيره، بينما الغضب صفة تم تعلّمها واكتسابها ممّن حولنا في مواجهة بعض المواقف بالانفعال، والغضب هو أحد هذه الانفعالات، من الوالدين أو الإخوة أو ممّن لهم تأثير علينا، وغالبا ما يكون هذا التعلّم والاكتساب من الصغر، لذلك فإنَّ أي صفةٍ متعلّمة أو مكتسبة هي صفة قابلة للتغيير والتعديل، وهذا شيء جيد.
ثانياً : الذي يجعلنا نختار الغضب هو اعتقادنا بأنَّنا غير مسؤولين عن سلوكياتنا وتصرّفاتنا وقت الغضب (من سبٍ وشتم أو ضربٍ أو تخريب وتكسير)، فكثيرا ما نقول إنَّ فلانا هو السبب أو هو الذي جعلني اخرج عن طوري وأفعل ما فعلت، في الحقيقة لا أحد مسؤول عن تصرّفاتنا، لا سيما وقت الغضب والانفعال ، ولا أحد يستطيع أن يسيطر علينا لدرجة جعلنا نسلك سلوكاً غير سوي إلّا باختيارنا.
ثالثاً : إنَّ اختيارنا للغضب هو اعتقادنا في بعض المواقف وأمام بعض الأشخاص، بأنَّنا نكون أكثر قوةً وهيبة أمام أنفسنا وأمام الآخرين، وأنَّ هذا يجعل الآخرين أكثر تهيّبا لنا ويحسبون لنا ألف حساب. قد يُظهر الآخرون لنا بعض الاحترام والمراعاة في المعاملة من أجل عدم الدخول معنا في معارك انفعالية، لذلك نجدهم يبتعدون عنا في أوقات غضبنا حتّى ينجوا من جموحنا.
رابعاً : إنَّ تفسيرنا السلبي للموقف هو الخطوة الأولى ، وتبعا لذلك يبدأ الحوار الداخلي السلبي في تزايدٍ حتّى يصل بنا إلى درجة الغضب والانفعال السلبي، مثال ( اتفق أحمد مع علي على حضور دعاء الندبة يوم الجمعة، في حرم الإمام الحسين {ع}، وحدد الموعد الساعة الثامنة عند باب القبلة , تأخر علي عن الموعد المحدد، فبدأ أحمد بالتوتر والقلق وأصبح يحدّث نفسه بحديثٍ سلبي)، و(تأخر علي معناه , أنَّه لا يحترم الموعد , وأنَّه غير مبالٍ ومهمل , وأنَّه غير متفاعل مع قضية الإمام المنتظر{عج}، حتّى يصل إلى درجة الغضب والانفعال , وأنَّه اختار أن يغضب طالما أنَّهُ فسّر الموقف بشكلٍ سلبي، وكان باستطاعته أن يكون أكثر هدوءاً وأقل انفعالاً، لو فسر ذلك بشكلٍ إيجابي ( يظهر أنَّ علي قد حصل له موقف طارئ أخره عن موعدنا )
خامساً : شعورنا بعدم الأهمية أو عدم الأمان أثناء حدوث موقف مع شخص ما، ولا سيما المقرّبين منا (وكثيرا ما تحدث بين أفراد الأسرة)، فنستخدم الغضب كطريقة للفت الانتباه، ولنُشعر الطرف الآخر بأنَّنا نحتاج إلى الاهتمام والشعور بالأمان، بهذه الطريقة الطفولية. والحقيقة أنَّنا نستطيع أن نوصل شعورنا بعدم الأمان أو الأهمية بطريقةٍ ناضجة أكثر، وهو الحوار والتعبير عن تلك المشاعر التي تجول بداخلنا، حتّى تصل بشكلٍ واضح إلى الطرف الآخر، لأنَّ الغضب قد يوصل فكرةً أخرى بعيدة كل البعد عن المشاعر الحقيقية.
سادساً : قد تكون محاولةً للهروب من المواجهة، عندما نقترف خطأ فالشعور بالذنب وضعف تقبل الذات أمام الآخر ، يجعلنا نستخدم الغضب للتعبير عن عدم تقبّلنا لضعفنا في مواقف كهذه ، وأيضا محاولة لإظهار عدم الانهزام وعدم تقبّل أي لومٍ أو عقاب من الآخر ، وهذه الطريقة في الواقع تجعلنا نعيش الموقف بقلقٍ أكبر ، وقد يستمر وقتا أطول ، بينما الاعتراف لأنفسنا أولاً وللطرف الآخر ثانيا بارتكابنا الخطأ والاعتذار، وتقبّل اللوم من الآخر سيساعدنا على تجاوز الموقف بهدوءٍ وسلام.
سابعاً : كثرة الضغوط من جهات عديدة : أسرية ،
وعملية ، ودراسية، وعدم مواجهتها وحلّها أولا بأول ، يجعلها
تتراكم لتنفجر في النهاية على أبسط المواقف . وربما على أقرب
الناس.
لذا فمن المهم عدم نقل ضغوط ومشكلات العمل إلى المنزل مثلا، أو
تركها من دون حل ومواجهة ، والعكس صحيح . فتراكم المشكلات
البسيطة يصبح في النهاية جبلا من الهموم والضغوط.
ثامناً : عدم التعبير وقمع المشاعر السلبية، وكثيرا ما يحدث هذا بين الأزواج أو الأصدقاء فيظل الفرد يحمل تلك المشاعر، وهي في ازدياد من دون أن يُظهرها في وقتها بالشكل المناسب، لتظهر بعد أن تراكمت في نوبة غضبٍ كبيرة، ربما على موقفٍ بسيط لا يستحق الثورة من الانفعال والغضب.
لذلك من المهم أن نُعبّر عمّا يدور في خلدنا من مشاعر تراكمت من
الطرف الآخر، لنقولها له بطريقةٍ أكثر هدوء وأسلوبٍ مناسب ووقتٍ
مناسب.
نتمنى أن نكون قد وفّقنا في حديثنا عن أبرز العوامل والأسباب
التي تدفعنا إلى الغضب، وسيكون حديثنا في الجزء الثالث والأخير
عن بعض الخطوات التي تساعدنا في التخفيف من حدَّتِهِ.
مجموعة العميد التعليمية