للسنوات الخمس الأولى من حياة الطفل، أهمية كبيرة في بناء شخصيته مستقبلاً ، فحينما نتحدّث عن الشخصية ، نقصد بها الكل المتكامل للفرد (أسلوب التفكير، والاستجابة للمواقف، والعلاقات الاجتماعية) ،
وكل ما يميز الفرد عن غيره من الناس ، فخلال هذه السنوات ، يكتمل (90%) من تركيب وظائف المخ ، والـ (10%) الباقية تكتمل خلال (15)سنة ، ولكلِّ سنةٍ من هذه السنوات خصائص ومتطلّبات ، ينبغي اشباعها لكي ينتقل الطفل إلى السنة أو المرحلة اللاحقة بسلام .
فالسنة الأولى من حياة الوليد ، تُسمى (بمدَّةِ الأمان)؛ وما صرخة الوليد عند الولادة ، إلاّ تعبير منه بعدم الأمان ، وإنَّه كان في بطن أُمّه يشعر بالأمان؛ إذ يصله الغذاء والاوكسجين وكل متطلّبات الحياة ، من دون أن يطلبها ، فالحنان والدفء والرضاعة الطبيعية من قِبَل الأم ، هو لتطمينّه بأنَّهُ خرج من مكانٍ آمن إلى آخرٍ أكثر أماناً ،
إذ يشعر الطفل الرضيع بأنَّهُ وأُمّه كيان واحد غير منفصل ، لذلك فمن الخطأ إرسال الطفل في عمر السنة إلى الحضانة ، وما الشخصيات القلقة غير الآمنة ربما، هو نتيجة ابتعادها عن الأم وتعرّضها للخبرات المؤلمة خلال العام الأول من حياتهم .
أمّا السنة الثانية فتُسمى هذه المدّة (بالكيان)؛ إذ يبدأ الطفل يّعي بأنَّهُ أصبح كياناً منفصلاً عن أمّه ، فبعد أن تنضج عضلات رجليه ويديه ويستطيع المشي، يتكوّن لديه حب الاستطلاع فيتحرّك داخل البيت من غرفةٍ إلى أخرى ومن مكانٍ لآخر، وأحياناً يريد الخروج من باب الدار ليستطلع الشارع .
لذلك خلال هذه المدَّة يمكن ارسال الطفل إلى الحضانة؛ لأنَّهُ أصبح كياناً منفرداً عن أمّه. أمّا من عمرِ السنة الثالثة إلى بداية الرابعة فتُسمى (بناء الإرادة)؛ إذ خلال هذه المدَّة تُعطى أهمية لوجود الأب بالقرب من الطفل؛ لأنَّ بوادر كثيرة تبدأ بالظهور مثل ؛ الاستقلالية وتوكيد الذات ، فالطفل خلال هذه المدّة يحاول القيام بالأعمال التي يقوم بها الكبار ، ليثبت للآخرين بأنَّه قادر على إنجاز ما يقومون به من أعمال ، وهنا ينبغي علينا أن نُنمّي هذه الحاجة لديه .
إضافةً إلى الحصيلة اللغوية الجيدة التي تمكّنه من التواصل مع الآخرين ، فأي حرمانٍ أو أسلوب معاملة سلبي يتعرّض لهُ الطفل خلال هذه المدَّة ، يمكن أن يعيق نموه . فالنمو مراحل مستمرة ومترابطة فيما بينها ، وأي خللٍ في أحدها سوف يؤثر في المرحلة اللاحقة ، وبالتالي سوف نسهم في تكوين شخصياتٍ يمكن أن تسبّب المعاناة لأطفال أصحابها مستقبلاً.
فهناك الكثير من أساليب المعاملة الوالدية كان لها الدور في بناء وتكوين شخصيات قلقة لأبنائها ، فالآباء المنعزلون اجتماعياً ، لا تكون لديهم علاقات ودٍّ شخصية إلاّ مع القليل من الناس، وعلاقاتهم بالأشخاص من خارج الأسرة ، تكاد تكون معدومة ، فهؤلاء الآباء يميلون إلى أن يفرضوا هذا النوع من العزلة على أطفالهم ، ويمنعونهم من المشاركة حتّى في الأنشطة الترويحية ؛ كالسفرات المدرسية والمخيّمات الكشفية أو إقامة علاقات مع الأقران في نفس المحلّة ،
وبذلك سوف يحرمون أبناءهم من أهم حاجةٍ نفسية بعد الأمن الغذائي و النفسي ، ألا وهي حاجة الانتماء للمجموعة ،
وبذلك نسهم في بناء شخصياتٍ تواجه صعوبةً في عقدِ صِلاةِ الصداقة السوية ، وذلك يصبحوا منعزلين اجتماعياً.
إضافةً إلى الظروف العصيبة التي يعاني منها بعض الآباء ، ممّا يدفعهم إلى الوقوع في إساءة معاملة الأبناء ؛ مثل مشاكل الزواج، أو عدم المقدرة على حسن رعاية الطفل ، أو البطالة أو التعرّض لموقف الاحباط ، كل ذلك يُزيد من احتمال الوقوع في إساءة معاملة الأبناء ،
ممّا يؤدي إلى خلق شخصياتٍ قلقة، لذا أحياناً يكون انخفاض مستوى أداء التلاميذ سببه شخصياتهم القلقة ، ولا سيما في أنواع التعلّم اللفظي، واستخدام المفاهيم المجرّدة ، فالقلق الشديد المتكرّر عند أطفال المدرسة ، كثيراً ما تمتد جذوره إلى العلاقات الأولية المبكّرة بين الطفل ووالديه ، فإذا كان الوالدان من النوع المتشدّد في محاسبة الطفل على سلوكه وإنجازاته ، ويُحِطّان من قدره أو أن يكونا غير متناسقين في معاملتهما للطفل، ترتب على ذلك احتمال شعور الطفل بالقلق ،
فإن عمد الوالدان إلى إساءة معاملة الطفل ، تحوّل القلق من الأبويين القاسيين إلى خوفٍ أصيل في نفس الطفل .
مجموعة العميد التعليمية