المقالات
التَّوحُّد .. بين مكابر الاهل والمستقبل المجهول للطفل
2017/03/20 452

يظهر اضطراب التَّوحُّد لدى الأطفال قبل سن الثالثة من العمر ،

وهو اضطراب في النمو يُعَوّق بشكلٍ كبير طريقة استيعاب المخ للمعلومات ومعالجتها ، ممّا يؤثر على الجوانب المهارية المهمّة الآتية :

1-اللغة ( أو كيفية التكلّم )،

2-المهارات الاجتماعية (ضعف المقدرة على التواصل مع الآخرين) ،

3-السلوك العبثي نتيجة ضعف ادراكه للمواقف.

ويحاول العلماء تحديد الأسباب التي ترتبط بهذا الاضطراب بشكلٍ مباشر، إذ تُظهر الأبحاث الحالية وجود عوامل جينية وراثية ؛ يكون لدى الطفل فيها من خلال جيناته قابلية (استعداد) للإصابة بالتّوحُّد .

وقد يكون اضطراب التّوحُّد ناتجاً عن مشاكلٍ طبية أخرى تؤثر على نمو الدماغ .

ومن أهم مظاهر اضطراب التّوحُّد ضعف التواصل اللغوي والاجتماعي والاستجابة السلوكية ، ففيما يخص الضعف اللغوي يبدأ الطفلُ التوحّدي بالكلام في سنٍ متأخرة مقارنةً بأقرانه ، مثلما يفقد المقدرة على قول كلماتٍ أو جمل كان يعرفها سابقاً ، كذلك لا يستطيع المبادرة في التحدّث أو الاستمرار في محادثة قائمة ، فضلاً عن تكرار كلمات أو عبارات بصورةٍ غير مفهومة .

على حين يتّضح ضعف المهارات الاجتماعية عندما يُسأل الطفل التوحّدي ؛ ما اسمك لا يُجيب وكأنَّه لا يسمع ، ولا ينظر إلى من يحدّثه بشكلٍ مباشر ؛ وإنَّما بصره موزّع في كلِّ الاتجاهات ، و يرفض العناق أو ينكمش على نفسه ،فضلاً عن أنَّهُ لا يدرك مشاعر الآخرين وأحاسيسهم؛ إذ عندما تبكي أُمّه أمامه لا يتفاعل معها.

أمّا فيما يخص الخلل الحاصل في الاستجابة السلوكية ؛ فإنَّ الطفل التوحّدي ينمّي عادات ويكررها ، كأن يُفضّل دائماً الوقوف على الكرسي أو يرفرف بيديه ، أو يصرخ ويتمرّد عند حصول أيّ تغييرٍ في وضعيته ( حينما يحاول أحدهم انزاله عن الكرسي مثلاً ) ، ويكون دائم الحركة ولا يبقى ساكناً وإنَّما يتحرّك داخل المكان الموجود فيه ؛ سواء كان غرفةً أو قاعة ألعاب .

وعلى الرغم من صعوبة إيجاد علاج طبي لاضطراب التّوحُّد, إلاّ أنَّ التحري والتشخيص في وقتٍ مبكّر يُسهم في كثيرٍ من الأحيان بالخيارات العلاجية ، التي يمكن أن تساعد الشخص على التعايش مع التّوحُّد ،

فالذين تم تشخيصهم بوقتٍ مبكّر ومعالجتهم بصورةٍ مركّزة مع تعريضهم إلى برامجٍ خاصّة في (معاهد التّوحُّد) ، تحسّنت قدرتهم على إقامة العلاقات مع الآخرين ، مثلما استطاعوا - خلال مُدّة بلوغهم - العمل وإعالة انفسهم .

وبإمكان الوالدين تشخيص الأطفال المصابين بالتّوحُّد ؛ كونه يعتمد الملاحظة المباشرة لسلوك الطفل وعلاقته بالآخرين ، ومعدلات نموه ، فإذا أكتشف الوالدان أنَّه لا يستطيع نطق بعض العبارات مثل (ماما 00بابا), ولا ينظر في عيون الآخرين ولا يبتسم لأحد حتّى عند مداعبته ولا يستجيب عند سماع اسمهُ ، ولا يستطيع نطق كلمتين حتّى في عمر سنتين ، فهناك احتمال أَنّهُ مصاب بالتّوحُّد.

وعلى الرغم من بساطة الكشف عن طيف التّوحُّد ، إلاّ أنَّ بعض الآباء ينكرون وجود مثل هذا المرض لدى أبنائهم ، ربما بسبب الاحراج الذي يسببه هذا المرض غير الطبيعي (من وجهة نظرهم), وهذا ما يزيد من مأساة الطفل ، إذ إنَّ التشخيص المبكّر يساعد في وضع برامجٍ خاصّة في معهد خاص بالتّوحُّد ؛ يعتمد العلاج فيه بشكلٍ أساسي على التدريب السلوكي الذي يركّز على تنمية مهارات التواصل الاجتماعي ومهارات الحياة اليومية في أصغر سنٍ ممكنة ، ويستجيب معظم المصابين لهذا النوع من العلاج ، بالإضافة إلى أنواع العلاجات الأخرى التي يحددها الطبيب المختص .

وقد أظهرت الدراسات بأنّ التشخيص والعلاج المبكّر ساعد الكثير من المصابين بالتّوحُّد على استعادة تواصلهم بصورةٍ أقرب إلى الطبيعية.   

المصادر
صور من من المقالة
نبذة عن الكاتب
- ماجستير / علم النفس التربوي
- خريج اعدادية كربلاء للبنين عام ١٩٨٢
- خريج كلية الآداب _ جامعة بغداد ١٩٨٧
- أكملت الماجستير ٢٠٢٠
- عملت في مجال الإرشاد التربوي ٢٥ سنة لحين احالتي على التقاعد ٢٠١٢
- درست مادة علم النفس في معهد المعلمين المسائي _ كربلاء للفترة من ٢٠٠٤ ولغاية ٢٠٠٩
- باحث في إرشاد الأطفال والإرشاد الاسري
- اعمل الآن في قسم التربية والتعليم في العتبة العباسية منذ عام ٢٠١٥ ولحد الآن صفة باحث تربوي في مجال الإرشاد التربوي وإرشاد الأطفال
- خبير في تشخيص وعلاج المشكلات السلوكية للأطفال
- قدمت العديد من الورش التدريبية المعلمين والمعلمات والمرشدين التربويين ومعلمات رياض الأطفال في مجال ( المشكلات السلوكية ، التربية الذكية ، المهارات التربوية والتعليمية للمعلم الناجح ومهارات المرشد التربوي الناجح.، تنمية الإبداع ، التطبيقات العملية للنظريات الارشادية).
- كتبت ١٣ مقال في المجال التربوي في موقع alameed.iq
- ساهمت مع لجنة تربوية بتأليف كتاب (دليل المرشد التربوي لرعاية السلوك) عام ٢٠١٧
المعلِّم مؤتمَن، غير أنّ ما اؤتُمِنَ عليه يختلف عن كلِّ الأمانات، فما أؤتمن عليه هو الإنسان.

مجموعة العميد التعليمية

اغلاق