إنَّ الجذور التاريخية لمفهوم ما وراء المعرفة ترجع إلى (سقراط)
وأسلوبه في الحوار والجدل ثمّ إلى (افلاطون)، واستمر تطوّر هذا
المفهوم في مطلع الثمانينات؛ إذ قدّمه العالم الاميركي
(flavell) بصورته الحالية، وهي التفكير في
التفكير، وتأملات عن المعرفة ، ووعي الفرد بالعمليات المعرفية،
وميكانزيم التنظيم المستعمل لحلِّ المشكلات، وإنَّ ما وراء
المعرفة مركزها القشرة المخيّة، لذلك فهي خاصية إنسانية، وهي
مفهوم يستعمله العلماء النفسيون للإشارة إلى الوعي بعمليات
التفكير.
يُعدُّ مفهوم ما وراء المعرفة من أكثر موضوعات علم النفس التربوي
والمعرفي حداثةً, وإثارةً للبحث, ويعود هذا المفهوم في أصوله إلى
علم النفس المعرفي، وقد وصف (وليم جيمس وجون ديوي) العمليات ما
وراء المعرفية بأنَّها التأمل الذاتي الشعوري خلال عملية التفكير
والتعلّم, وهي ضمن نظرية معالجة المعلومات التي تهدف لبناء نموذجٍ
لعمليات التحكّم بالمعرفة، بهدف تمييز العمل الاستراتيجي في حل
المشكلة، وتعود إلى عمليات التفكير المعقّدة التي يستعملها
المدرّس في أثناء نشاطاته المعرفية, وتتمثّل بالتخطيط للمهمّة،
ومراقبة الاستيعاب وتقويم التقدّم.
إنَّ ما وراء المعرفة هي وعي الطالب بالمهارات والاستراتيجيات
الخاصّة، التي يستعملها في التعلّم والتحكّم فيه، وتعديل مساره في
الاتجاه الذي يؤدّي إلى بلوغ الأهداف، وكذلك وعيه بنمط تفكيره عند
القيام بمهمّات محددة، ومن ثم استعمال تلك الدراية في التحكّم بما
يقوم به من عمل .
ويُحَدَّد مفهوم ما وراء المعرفة بقول افلاطون:((عندما
يُفكّر العقل فإنَّه يتحدّث مع نفسه)) ، ومن هذا المنطلق
ظهرت استراتيجيات حديثة تسعى إلى اكساب الطالب المقدرة على
التفكير في التفكير، التي تدعى باستراتيجيات ما فوق المعرفة ، و
ما وراء الإدراك ، والميتا معرفية وما فوق المعرفية ، والتفكير في
التفكير والوعي بالتفكير.
ويرتبط هذا المفهوم بثلاثة صنوف من السلوك العقلي و كالآتي:
1) معرفة الطالب بعمليات تفكيره، ومدى دقّته في وصف تفكيره وما يفكّر فيه.
2) الضبط الذاتي ومتابعته لِما يقوم به عند انشغاله بعملٍ ذهني.
3) مدى تأثّر طريقة تفكير الطالب بمعتقدِهِ وحدسه ووجدانه، فيما يتعلّق بالمجال الذي ينشغل فيه ذهنه.
وما وراء المعرفة هي مهارات عقلية معقدة تُعدّ من أهم مكونات
السلوك الذكي في معالجة المعلومات؛ إذ تقوم بمهمّة السيطرة على
نشاطات التفكير العاملة الموجّهة لحلِّ المشكلة، واستخدام القدرات
المعرفية بفاعلية ، وتنمو مع العمر والخبرة.
ويُميّز (Flavell,1979) بين التفكير ما وراء
المعرفي وبين الأنواع الأُخرى من التفكير، بالنظر إلى مصدر ما
وراء المعرفة، التي ترتبط بما يعرفه الطالب من تمثيلٍ داخلي لهذه
الحقيقة، وتتضمّن التمثيل الداخلي ( كيف تعمل ؟ وكيف يشعر الطالب
بها ؟)، و بذلك فإنَّ ما وراء المعرفة تشمل مراقبةً فعّالة،
يتبعها تنظيم وتنسيق لإجرائها؛ لتحقيق أهداف المعرفة والحكم على
ما إذا كان الطالب يعرف أو لا يعرف إنجاز المهمّة
إنَّ هذا المفهوم يعني في جوهره التفكير في التفكير، فهو يتضمّن
بعض العمليات والأفكار المعقّدة (التي غالباً ما تكون مجرّدة)،
وكثير من هذه العمليات والأفكار لا يتم تعلّمها بشكلٍ خاص في قاعة
الدراسة , ولذلك فليس من المستغرب أن يكتسب الطلبة معلومات
ومهارات ما وراء المعرفة ببطءٍ، وبعد الكثير من خبرات التعلّم
المضنية ، وليس من المستغرب كذلك أن لا يكتسب بعض الطلبة
استراتيجيات التعلّم والاستذكار الفعّال إطلاقًا, ويعتقد بعض
المنظرين أنَّ ما وراء المعرفة تتضمّن معلوماتٍ صريحة وضمنية
،ولكن البعض الآخر يرى بأنَّه لا يجب استعمال هذا المصطلح، إلّا
ليشير للمعلومات التي يدركها الناس بشكلٍ واعٍ .
وختاما نقول إنَّ مهارات ما وراء المعرفة هي مهارات التعلّم
النشط، التي يعتمدها الطالب لتساعده على التفكير أثناء أداء مهمّة
تعليمية، من حيث التركيز والفهم وتصميم العمل والتخطيط والتنظيم،
لاكتساب معرفة بدرجةٍ متعمّقة، وإدراك أبعادها من حيث المضمون
والأسلوب.
مجموعة العميد التعليمية