تُعد اختبارات الرسوم, أدواتاً مناسبة لقياس جوانب متعددة في سلوك الأطفال , لأنَّها تتخطّى عائق اللغة, وفنية الالفاظ التي تستخلص فيها دلالات قد لا تخطر على ذهن الطفل, والفروق الفردية في الطلاقة التعبيرية بين طفلٍ وآخر في المراحل العمرية المبكّرة، وكذلك صعوبات موقف الاختبار المقنّن؛ الذي يربك الطفل ويجعله شخصاً آخر (مضطرب , خائف ، قلق)، أمّا موقف الرسم فيجعل الطفل مستغرقاً في تلقائية شديدة مع خياله, وخطوطه التي تعكس الكثير من ميوله واداركه وخياله وطريقة فهمه لمتغيرات الواقع.
وتُعد
الرسوم الحرة للأطفال أكثر المجالات إتاحةً للتعبير عن الكثير من
خصائصهم النفسية سواء قدراتهم ، أو سماتهم الشخصية أو قيمهم، ويكفي
أن نتلمس طفل ( يحكي ) لنا قصة رسمية, لتبين أنَّهُ ينقل عالمه كلّه
إلى الورقة، ويستخدم قلمه ليتجاوز به كل الحدود الممكنة، وغير
الممكنة، يُعبّر من خلال رسومه عن سعادته وحزنه، وعمّا يعانيه من
عجز، وما يشعر به من تفوّق ، وقبل كلّ ذلك عمّا يملكه من قدرات
ومهارات, لا في القدرة على الرسم ومهارته الفنية فيه، وإنَّما في
القدرة على ادراك المفاهيم العقلية الأساسية وتكوين المفاهيم
الجديدة للتعبير عن موضوعه .
إنَّ
محور اهتمامنا لا يكون في رسوم الأطفال، وما أنتجه الطفل في نهاية
الأمر، وإنَّما ينصب اهتمامنا على كيف أنتج ما أنتج , وكيف رسم ما
رسم، وإنَّ العمليات العقلية خلف الرسوم وتطوّر المفاهيم هما موضوع
الاهتمام السيكولوجي، وليس مجال الرسم أو مهاراته الفنية, ولهذا لا
ينصب تفكيرنا على موضوعات الجمال، بل على الأفكار والتعبيرات
ومضمونها السايكولوجي لمستوى الارتقاء العقلي، وهذا المستوى
المتطوّر الذي يمكّن الطفل من الانتقال من مجرد عمل خطوط عشوائية
قبل الثانية من عمره إلى رسم الخط المستقيم الرأسي والافقي، ثم
الانتقال لرسم الدائرة والمربع, وعندما يتمكّن من رسم الدائرة
فإنَّه يسرع لإدراك وجه الشبه بينها وبين الوجه الإنساني، وهكذا
يستمر في تطوّره إلى أن يتمكّن من التحديد الدقيق للنسب بين أجزاء
الجسم .
غير
أنَّ سلوك الرسم مثله في ذلك مثل كل أشكال الأداء النفسي، لا تحكمه
العوامل المعرفية والارتقاء العقلي وحده، ويمكننا أن نقرّر عدداً
غير محدود من العوامل النفسية غير العقلية تتدخل بصورةٍ ، أو بأخرى
في رسم الطفل سواء في عنايته بالتفاصيل من عدمه، أو شغفه بالرسم
ومقداره أو دوافعه للرسم أو مشكلاته النفسية والانفعالية ومقدار
توافقه الاجتماعي ومراعاته ورغباته الدفينة، إذ يستخدم الطفل
الاسقاط بوصفه آلية دفاعية لاشعورية، ويمكننا الافتراض أنَّ رسوم
الأطفال تتيح الفرصة لهم لهذه الاسقاطات اللاشعورية، وقد تكون أكثر
خصوبة من اختبار بقع الحبر لرورشاخ ، أو اختبار تفهم الموضوع
وغيرها، لأنَّ الطفل في هذه الاختبارات مقيّد بمنبّه يتضمّن إلى حدٍ
ما قدراً من الخصائص، لا يسهل عليه الخروج منها، أمّا الرسم الحر
فيسمح له بعدم التقيّد بأي قيدٍ .
وتفسير
دلالات رسوم الأطفال وخصائصها يكاد يخضع للاختبارات الحدسية أو
التأملية، التي تعتمد مضمون مستمد أساساً من نظرية اللاشعور في
التحليل النفسي، ويرى أغلب الباحثين المختصّين باختبارات الرسم
المختلفة أنَّ رسم أعضاء الجسم مثل الفم، أو اليد، أو الرأس لها
أهمية كبيرة.
والواقع
أنَّه يمكن بسهولة التمييز بين رسوم الطفل العادي والطفل الذهاني ,
أو الطفل الشديد الاضطراب, ويمكن ملاحظة حجم الفرق في تشوهات رسوم
كلّ فئة من الفئات , وبينما يبدو من الصعب وضع تحديد دقيق لخصائص,
أو نوع هذه التشوهات, إلاّ أنَّ الأطفال المضطربين والذهانيين غالبا
ما يرسمون أشكالاً تبدو غير مألوفة, وغريبة الأطوار, وتتضمّن ملامح
قسوة تبعدها عن الإنسانية , وغالباً ما تكون رسوم الأطفال الفصاميين
هي أكثر الرسوم غرابةً, بينما يرسم الأطفال الأقل اضطراباً ممّن
يعانون من عزلةٍ اجتماعية, أو انطواء , أشكالاً تكشف عن تفكيرهم غير
النمطي .
مجموعة العميد التعليمية