يُعد كظم الغيظ من السلوكيات الغائبة في المجتمعات العربية الإسلامية الواسعة، بل تكاد منعدمة بين أفراد مجتمعنا اليوم بصفةٍ عامّة، وهي صفة أكّد عليها دستور هذه الأمة الإسلامية، ألا وهو القرآن الكريم وسنة نبينا صلوات الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
لقد تعوّد الناس على إظهار الغضب؛ لأنَّهُ سلاح فتَّاك وبركان
خامد وقوة تقهر كيان الإنسان، وتدفعه إلى ارتكاب أفعالٍ ما كان
ليأتيها، فسرعان ما يعتريه الندم بعدها -أي الأفعال - على ما فاته
من كظم الغيظ، فيعود للوم نفسه ، وتشتد عليه الحسرة والألم على ما
وقع له في ذلك الحادث.
فتجنَّبُ الغضب يحتاج إلى ضبط النفس، والقرآن الكريم أعطانا صوراً
رائعة تمثّلت في أنبياء الله، وكان منهم السلوك النبوي الراشد؛ إذ
قال الله تعالى)) :وَسَارعُوا إلى مَغفِرةٍ مِّن رَّبِّكُم
وَجنَّةٍ عَرضُها السَّماواتُ والأرضُ أُعِدَّتْ للمُتَّقينَ*
الذينَ يُنفقونَ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ وَالكاظِمينَ
الغَيظَ والعَافِينَ عن النَّاسِ واللهُ يُحبُّ المُحسِنينَ)) آل
عمران، الآية: (132-133).
فمن صفات المتّقين التي أشارت إليها هذه الآية الكريمة والصريحة "
كظم الغيظ وإظهار الرحمة بالعفو عند المقدرة، وهي معاني سامية
تبيّن كيفية ضبط النفس ومنعها من التصرّف الخطأ في أعسر المواقف،
التي يتلقّاها الإنسان المسلم في حياته؛ إذ ينبغي أن يُظهر خلالها
الشجاعة والحكمة وحسن التعامل مع الأحداث التي تفاجئه في المجتمع؛
فمن ضَبَطَ نفسه يستطيع أن يكظم غيظه ويحبس الغضب الذي
بداخله.
سمَعَ أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً يشتم قنبراً , وقد رام
قنبر أن يرد عليه فناداه أمير المؤمنين عليه السلام ( مهلاً يا
قنبر , دع شاتمك مُهانا , تُرضي الرحمن وتُسخط الشيطان وتعاقب
عودك فو الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما أرضى المؤمن ربَّه بمثل
الحلم ولا اسخط الشيطان بمثل الصمت ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت
عنه)
وقد لُقب الإمام موسى بن جعفر عليه السلام بالكاظم؛ لوفرة حلمه
وتجرّعه الغيظ في مرضاة الله تعالى
كَظم الغَيظ لغةً :
الكَظم لغةً: معناه الإمساك، والجَمعُ للشَّيء، ويقال: كَظَم
الرّجُلُ غَيْظَه، وَكَظَم الرّجُلُ على غيظهِ؛ كتَمه؛ وحَبَسه،
إِذَا أَمْسَك على ما في نفسهِ منه.
كَظم الغَيظ اصطلاحاً:
أمّا اصطلاحاً: فهو الإمْسَاك على ما في النَّفس من صَفْحٍ أو
غَيْظٍ.
الغَيْظ لغةً: معناه الغَضَب؛ وقِيلَ: هو غَضَبٌ كامنٌ للعاجز،
وقِيلَ: هو أشدُّ من الغَضَب، أو هو سَوْرَته وأوَّله.
أمّا اصطلاحاً :فهو شدُّة الغَضَب، أو هو الحرارة التي يجدها
الإنسان من ثَوَرَان دم قلبه، أو هو الغَضَب المُحِيط
بالكَبد.
أمّا عبارة كَظْم الغَيْظ اصطلاحا : فهي تجرُّعه، واحتمال سببه،
والصَّبر عليه، أو السكوت عليه، وعدم إظهاره بقولٍ أو فعلٍ، مع
قُدْرته على إيقاعه بعدوِّهِ.
وقد أشارَ جمعٌ من العلماء إلى بعض وسائل ضبط النفس، منها: (العلم
الحصن الحصين، وتحرّي الحكمة، ورجاحة العقل، وضبط اللسان،
والتجرّد لله سبحانه وتعالى،والتربية الجادّة وحسن الخلق، ومعرفة
مألات الأمور، والأعراض عن الجاهلين، ودفع السيئة بالحسنة،
والاستشارة، والصبر والتقوى.
وأخيرا نقف مع نقطتين مهمّتين :
الأولى: ضبط النفس؛ إذ إنَّ من ثمار ضبط النفس الاتّصاف
بصفةٍ من صفات المتّقين.
ثانياً: تجنيب النفس الحسرة والندامة.
لذلك يجدر بنا تذكّر فضائل الحلم، بوصفه باعثاً على اعجاب
الناس وثنائهم ومصداق ذلك قوله تعالى : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ)
مجموعة العميد التعليمية