تؤدي الأسرة دوراً كبيراً ومهمّاً في تنشئة سلوكيات أبنائهم تنشئة سليمة ، وتكون المؤسسة التربوية (الروضة أو المدرسة) في أغلب الأحيان مسرحاً لعرض تلك السلوكيات سواء أكانت سلبيةً أم إيجابية، وتتجلّى أهمية الأسرة في أنَّ الطفل يقضي سنوات عمره الأولى في كنفها ،
وقد أكّد أغلب العلماء والمربين على أهمية السنوات الأولى من حياة الطفل؛ إذ في هذه السنوات يكون الطفلُ أشبه بالصفحة البيضاء ،تُظهر ما يُكتبْ عليها من معلومات ،ولكن هذا لا يعني إلغاء دور الطفل الإيجابي فعن طريق غريزة حب الاستطلاع، وميله الطبيعي لتقليد الكبار، وسهولة تقبّل الايحاء منهم ،ينتقي الخبرات التي من الممكن أن يوظّفها مستقبلاً في ترويض الظروف البيئية لصالحه، فالبنية المعرفية للطفل مليئة بالطاقات النفسية والمعرفية الواسعة والمتنوّعة ،لكنها كامنة تنتظر من يرعاها ويعرف كيف يوقظها من سباتها، ويضعها على المسار الصحيح.
إنَّ حساسية الطفل وشدَّة تأثّره بالمشاعر السلبية مثل الخوف والغضب، التي يعاني منها ولا يستطيع التعبير أو التنفيس عنها، لانَّها أقوى بكثير من قابليته على تحمّلها، تذهب لا إرادياً إلى اللاشعور ،وتُكبت هناك لتختمر وتتحوّل إلى عُقدٍ نفسيةٍ تؤثّر على تفاعله وتكيّفه مع الآخرين مستقبلاً، لذا ينبغي على الآباء إبعاد أطفالهم عن الخلافات الزوجية .
وهناك حاجات نفسية للطفل ينبغي إشباعها في هذا العمر مثل اللعب مع الأقران في سنِّه ،وما سلوك العناد والحركة الزائدة للطفل – لا سيما عندما تذهب الأم لزيارة أحد الأقرباء أو الأصدقاء – إلّا تعبيرٌ عن عدم إشباع رغبته باللعب مع الأطفال الآخرين، فضلاً عن ضرورة توفير ما يحتاجه من ألعاب أسوةً بأقرانه، حتّى لو تطلّب ذلك التقصير في جزءٍ من المصروف اليومي للبيت، لأنَّ وظيفة الاحاسيس والانفعالات (المشاعر) لدى الأطفال تبدأ بمدَّةٍ طويلة قبل قدرتهم على التخيّل العقلي للمواقف، فالطفلُ الصغير حينما يبكي ويصرخ من أجل شراء لعبةٍ يريدها ،فهو لا يعي أو يعلم بأنَّ الأم لا تملك ثمن هذه اللعبة.
لذلك على الأب حينما يحدث مثل هكذا موقف عليه أن لا يعاقب طفله على هذا التصرّف، بل أن يتحاور معه بأن يقول له: (لقد أزعجت أمّك وأحرجتها أمام الآخرين، وهي لا تملك ثمن تلك اللعبة في حينها ولو كانت تملك المال لاشترتها لك، وعلى الرغم من أنَّ تصرَّفكَ خاطئ، إلّا أنَّي سوف أسامحك لأنّك لا تعلم ذلك ،أنا الآن سأشتري لك اللعبة، بشرط أن لا تعود لمثل هذا التصرّف مستقبلا)، بعد هذا الموقف سيتعلّم الطفلُ الشيء الكثير؛ يتعلّم مثلاً أنَّ ليس كل ما يريده سيحصل عليه في لحظته، وأنَّ اسلوب الصراخ والبكاء لا يجدي نفعاً وغيرها من المواقف الحياتية، فالذي يتعامل مع الأطفال أو المسؤول عن تنشئتهم ،يجب أن يكون على علمٍ مسبق بالأساليب العلمية والتربوية الصحيحة.
غير أنّنا في حياتنا اليومية نلاحظ الكثير من الأساليب التربوية الارتجالية التي ليس لها أساس علمي يوظّفها الآباء والمربّون، قد تسهم في تشكيل الكثير من العقد النفسية، تعكس جوانب سلوكية غير منضبطة ،وهنا تكمن المشكلة، فإذا ما غاب المسؤول عن تربية الطفل أو غابت خبرته ، ضاعت على الطفل الفرصة الذهبية وتشكلّت شخصيته بحسب الظروف الارتجالية ،وهناك احتمال كبير أن يعاني هذا الطفل في مرحلة مراهقته .
مجموعة العميد التعليمية